منذ الإنتخابات النيابية في حزيران عام 2009،دخلت الساحة اللبنانية مرحلة إنتقالية من الإصطفاف السياسي الحاد،من معارضة وموالاة، وبين 14 و 8 أذار حلفاء المشروع الأميركي وحلفاء المشروع المقاوم ( الإيراني – السوري )، ومن شوارع الفتنة المذهبية،والتعبئة السياسية والطائفية المذهبية ومن شلل الحكومة،ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية،وبالتالي كل مؤسسات الدولة،و التي لم يبق منها غير الجيش الوطني ينبض قلبه بالحياة،لضبط الأوضاع،وبشكل مرهق.
وكان عنوان المرحلة الجديدة،المصالحات الإثنية،والعامة والمصالحة بين المستقبل والرئيس الحريري مع سوريا،والمصالحة بين سوريا والمملكة السعودية،وكانت حكومة الوحدة الوطنية أول شمعة في إنارة ليل لبنان الذي إستمر منذ إغتيال الرئيس الحريري،وجاءت حرب تموز 2006 لتقضي على ما تبقى من إمكانيات عند جبهة المقاومة والممانعة.
واستبشر اللبنانيون خيرا،بالمرحلة القادمة،علها تكون خاتمة أحزانهم،ليبدأوا مشوارهم الإنمائي لتعويض ما فاتهم للحاق بالأخرين على جميع المستويات،لكن اللاعب الأميركي ومعه الإسرائيلي أصابته الخيبة،عندما لمس إنهيار كل منجزاته التي عمل من أجلها في لبنان وسوريا والمنطقة،ودون أن يقبض ثمنا ولو متواضعا، مقابل تسهيل المصالحات والهدوء،بل وأنه صار أكثر هيجانا،بعد المصالحة السعودية – السورية التي حاول عرقلتها في بداية الأمر ، لكنها تعمقت أكثر،وتحركت باتجاه ملفات أقليمية أخرى بعد نجاح التجربة في لبنان،حيث لامست الموضوع الفلسطيني (زيارة خالد مشعل إلى الرياض ) وكذلك الملف اليمني ( خلف الكواليس ) الذي توجت بمبادرة الحوثيين وإنسحابهم من الأراضي السعودية تمهيدا لتهدئة الجبهة الحدودية،هذا على الصعيد الأميركي أما على الصعيد الإسرائيلي،فكانت الصفعة أكثر إيلاما ، إذ أن العدو الإسرائيلي،يعتبر أن كل هدوء واستقرار في الجبهة الداخلية اللبنانية،يصب في مصلحة للمقاومة في لبنان لا تقل خطورته على إسرائيل من إستقدام السلاح المتطور إلى المقاومة،فكلما تحصنت الساحة اللبنانية من الفتنة الداخلية والصراعات المذهبية والطائفية، كلما اطمأنت المقاومة إلى ظهرها،وزادت من قوتها في مواجهة العدو،وخلخلة جبهته الداخلية بأسلحتها البعيدة المدى العسكرية أو بحروبها المخابراتية والنفسية.
إن هذا الإرباك الإسرائيلي – الأميركي،جعل قطار المصالحات في لبنان،تحت وطأة الخطر المحدق لمنعه وقتله،لإعادة إمساك الأمور،من قبل الأميركيين على المستوى السياسي،وفي يد الإسرائيليين على المستوى الأمني والعسكري،وأصبحت القوى الحليفة أو الصديقة،أو التي تعيش سياسيا تحت الرعاية الأميركية وحلفائها العرب،بين خيارين كلاهما محرج ومكلف،ولا يمكن الجمع بينهما،لأنهما متناقضان،وكمن يحمل الحجر والماء بيد واحدة،فإن هي سارت في قطار المصالحات وتهدئة الأوضاع مع القوى السياسية الأخرى،تعرضت للضغط الأميركي والأوروبي،لإجبارهما على التراجع إلى مواقعها السابقة وإن هي عادت إلى تنفيذ الإملاءات الأميركية،تعرضت للخسارة لأنها ستتلقى الضربات المقاومة نيابة عن الأميركي كما حصل في السابق،ويمكن أن يحدث فيما بعد.
لذا فإن هذه القوى ترى نفسها عاجزة بالمبادرة لتنمية المصالحات والتفاهمات،وعاجزة عن التراجع عن خطواتها التصالحية،مع بقاء الأميركي وأعوانه من أجهزة المخابرات والأنظمة يهمسون في أذان البعض،أن الحرب قادمة في الأشهر المقبلة،وأن ما عجزت عنه إسرائيل سابقا في لبنان، وغزة سيحقق مستقبلا،بل وأن إيران ستدفع ثمنها باهظا بالضربة العسكرية المتوقعة،وبالفتن الداخلية المصطفة مما سيكشف ظهر سوريا،ويجعلها تتراجع عن دعم المقاومة وعن التحالف من إيران،وستعود أميركا وإسرائيل للإمساك بزمام الأمور مما يجعل التراجع عن المكتسبات التي حققتها قوى 14 أذار ليس عقلانيا،وبالتالي لا بد من تأجيل الإستحقاقات الداخلية من إنتخابات بلدية أو تعيينات إدارية أو تشكيلات أمنية،أو غيرها من الإستحقاقات،فلماذا تقاسم هذه الغنائم مع قوى 8 أذار طالما أن الحرب القادمة المحسومة النتائج وفق التنبؤات الأميركية والإسرائيلية،مما يسهل على قوى من 14 أذار،إقتناص كل هذه الغنائم منفردة ودون شراكة.
إن هذه الأفكار التي بنيت عليها إستراتيجية(العرقلة)الأميركية تتحكم بعقول البعض،بموازاة إبقاء بؤر التوتر الأمني على طرق الإتصال مع سوريا،فكانت المظاهرات المفتعلة على الطريق الدولي بين طرابلس وحمص بعد زيارة الرئيس الحريري وحادثة إطلاق النار على الباص السوري،لإبقاء حالة التوتر في الخزان البشري ( عكار وطرابلس)وشد العصب المذهبي والميداني تحسبا لأي طارئ،ومن ثم مسرحية إختطاف الشيخ المجذوب لنفسه وقطع طريق بيروت – دمشق وتوسعة الفتنة المذهبية في البقاع الغربي،لفتح الطريق أمام العدو الإسرائيلي،وتسهيل الطريق أمامه لتنفيذ ( الدفراسوار)المخطط له،بالإجتياح القادم،باتجاه الحدود اللبنانية – السورية في المصنع،خاصة وأن المنطقةالممتدة من مزارع شبعا إلى مجدل عنجر منطقة خالية من الوجود المقاوم الفعال والإستراتيجي نظرا للوضع الديموغرافي والمذهبي في هذه المنطقة وبعد إنكشاف الخطة وإفشالها،إنتقلت عمليات التوتر إلى جبل محسن في الشمال مع العبوات المتفرقة،والتي من المتوقع أن يعقبها محاولات أخرى لتفجير الأوضاع،لكشف ظهر المقاومة وإرباكها داخليا،لأن الذئب الأميركي لا يستطيع رؤية الهدوء في الساحة اللبنانية وهو الذي يتخبط في مآزقه المتعددة داخليا وخارجيا والعاجز عن الحسم،فإنه سيهرب إلى الأمام بإشعال الحرب في المنطقة،لربح بعض المكتسبات ،ومنها الإقتصادية وشركات السلاح ومصادرة الأنظمة.
هل تقع الحرب أم لا...؟ نحن نقول أن كل الإحتمالات واردة ولكن ما نجزم به انه إذا وقعت الحرب على جبهة واحدة أو على جبهات متعددة،فإن الأكيد عدم إنتصار التحالف الأميركي – الإسرائيلي،مع إمكانية لتحقيق النصر للتحالف المقاوم والممانع المتعدد الجبهات،ومن يراهن على هزيمة قوى المقاومة فأنه يعيش ( أضغاث أحلام)واهية،أو يرى رغباته ولا يرى الوقائع الواضحة،وإن الصبح لقريب....